الأحد، 21 أغسطس 2011

التراث الفلسطيني والحضارة الكنعانية


التراث الفلسطيني والحضارة الكنعانية

التراث الفلسطيني والحضارة الكنعانية

تاريخ الموضوع : 13/8/2011 الموافق السبت 13 رمضان 1432 هـ | عدد الزيارات : 15

يرى الباحث والفنان التشكيلي الفلسطيني د. عبد الرحمن المزين أن كتابه الجديد "الفكر الأسطوري الكنعاني وأثره في التراث الفلسطيني المعاصر" ينقل القارئ إلى مواسم الأعياد والأغاني الشعبية والرقصات وأسماء المدن والقرى، وتسمية الأرقام التي تدل على أثر الحضارة الكنعانية في الموروث الشعبي للفلسطينيين.

ويضم الكتاب الذي يقع في 279 صفحة الصادر عن دار فضاءات للنشر والتوزيع في عمّان ملحقاً لستين صورة تجسد نقوشاً على جدران الكهوف، وعدداً من التماثيل والأواني الفخارية، ومزارات ومعابد حجرية، وقلادات وأنواطا عسكرية وأزياء وتطاريز زخارف كنعانية.

تأثير متواصل

"عشيرة" مفردة شائعة في الحياة الشعبية، وهي تطلق على الفتاة، كما تعني فرعاً من القبيلة، وهي إحدى أسماء "أيلة"، أم الآلهة الكنعانية، ذات الأسماء المتعددة، ومنها: إيلات–اللات–عشيرة، كما يورد الكتاب.

البحث التطبيقي على التراث الشعبي لتأصيله يبدو أكثر غنى لدى دراسة الإلهة عنات، فالتماثيل المتبقية لها في تل زور قرب مدن الخضيرة وأسدود تخلص إلى استنتاجات عدة، فتسريحة شعر عنات من منتصف الرأس وإسداله على جانبي رأسها بشكل جديلتين خلف رأسها امتدادا على ظهرها، تتطابق مع تسريحة شعر الفلاحة الفلسطينية حتى يومنا هذا.

ويبحث الكاتب في إطلاق اسم "عنات" على أغاني ورقصات "الدلعونة" الشعبية، فإحدى قصص التراث تروي حكاية حب نشأت بين شاب وشابة تدعى عنات -اسم ينتشر إلى الآن بالقرى الفلسطينية- فهام على وجهه يقول: دلوني على عنات، لتدغم في كلمة "دلعونا" وتؤلف الأغاني والقصائد الشعبية على الوزن والإيقاع ذاته.

ويذكر الكتاب أنه لا تزال هنالك قرى تحمل اسم عنات، ومنها: قرية بيت عناتا قرب طبريا، وعينات جوار بحيرة الحولة، وقرية عناتا إلى الشمال الشرقي من القدس، وهي مقامة على بلدة "عناثوث" الكنعانية، وهي جمع عنات.

سبعة آلهة كنعانية أساسية هي: أيل وأيلة وعنات وبعل ومت وداجو نوسالم، بالإضافة آلهة ثانوية تضم: رشف وحورون وداروم والفينيق والصقر والتي انتهت عبادتها حينما جاء الدين الإسلامي وفق الكتاب، لكن توظيفها الجمالي استمر في الظهور في التعبيرات الشعبية عن الحب والفرح والحزن وغيرها.

تتناسل قصة طائر الفينيق في مرويات شعبية مختلفة وإن احتفت به باسم "الطائر الأخضر" لكنها تؤكد على الرابطة القوية بين الأخ والأخت، مما يشكل امتدادا لملحمة "قارت" أو عليان بعل في الأسطورة الكنعانية -كما يشير المؤلف- وإلى فكرة الانبعاث والاستمرارية التي يمثلها طائر الفينيق.

حضور الطائر الأخضر -الفينيق- ينعكس في عدد من الأغاني ومنها مطلع الأغنية الآتي "يا أحبابي بالهنا الله يهنيكم، والطير الأخضر يلف من حواليكم". ولا يغفل الكتاب رسم طائر الفينيق والأفعى، الذي يطرز على الأزياء الشعبية الفلسطينية، التي تخلو من رسم الكائنات الحية باستثناء هذين الرسمين.

الطبيعة والرقم 7

يعتقد المؤلف أن جوهر الأسطورة الكنعانية بشكل عام هو تجسيد المظاهر الطبيعية وتمجيد الخصب، وهي أسطورة زراعية تصور الصراع بين "عليان بعل" إله الخضرة والأمطار والعاصفة، وبين "مت" إله الموت والحصاد، ويتبادلان الحضور والغياب بعملية متتالية تضمن فوز أحدهما على الدوام.

وإذا ظهر عليان بعل اختفى مت، وبهذا –وفق اعتقاد الكنعانيين– يكون استمرار فصول السنة، وفي كل عام كانوا يحتفلون بعيدين، وفي العيد الأول يفرح الناس لعودة الخضرة إلى الأرض، وهو في الربيع، أما عيد تموز فهو حزن، حيث تذبح الأضاحي من أجل عودة بعل إلى الحياة.

وفي الفصل الثاني نفسه، يتم الالتفات إلى تكرار الرقم (7) في الأساطير الكنعانية، وهو بحث يتشابه مع حضور الرقم في حضارات بلاد الرافدين والجزيرة العربية، ومن تأثيراته الراهنة: أيام الاحتفال بالعرس الفلسطيني التي تمتد سبعة أيام بلياليها وإطلاق سبع زغاريد، واستحمام المولود في سابع أيام ولادته، في بعض القرى الفلسطينية، ونقش الرقم ذاته على مطرزات شعبية، إضافة إلى حضوره الكثيف في الأغاني والأمثال، وغير ذلك.

وإلى جانب اكتشافات علماء الآثار ينقب عبد الرحمن المزين في إشارات تركها الكنعانيون في حياة الفلسطيني وتعبيراته الفنية والجمالية، وما يوظفه الفنانون والأدباء منها في أعمالهم الإبداعية.

يُذكر أن المزين يشغل حاليا موقع الأمين العام للاتحاد العام للفنانين التشكيليين الفلسطينيين، وله العديد من المنشورات في مجالات الآثار والتاريخ والتراث والفن التشكيلي، وهو حائز على عدة جوائز دولية وعربية.



ليست هناك تعليقات: