الثلاثاء، 26 يوليو 2011

على الناصية.....




على الناصية:
في الأيام الأخيرة ... أخذ ينتابني أحيانا شعور بالملل ( الزهق.. الطفش أو سمه ماشئت)،
ففي عصر هذا اليوم بالذات .. وبعد صلاة العصر ، عدت مسرعا من المسجد الى البيت ، مخالفا اللقاء اليومي الذي يجمعنا مع بعض الأصدقاء خارج المسجد، ولكني ماأن دخلت الى منزلي.. وكدت أبدأ في تبديل ملابسي حتى شدني شئ غريب لاأستطيع وصفه لمعاودة الخروج لكي أتمشى في الشارع عسى أن أجد أحدا ممن يروق لي الجلوس والتحدث معهم ، فعدت أدراجي وخرجت الى الشارع أمشي .. لست أدري الى أين ... أمشي ببطء شديد وكأنني لاأريد أن أصل الى ناصية الشارع ( الكوربة) حتى أنني كنت أركز نظري الى تحت قدمي وكأنني أعد حبات الرمل ... أو كأنني أبحث عن شئ فقدته ... اشخاص كثيرون يجلسون في الشارع أمام بيوتهم ، ( ظاهرة سلبية)..يتبادلون أطراف الحديث .. أحاديثهم معروفة هذه الأيام ( جماعة حماس عملوا... جماعة فتح ماعملوش ... وهكذا..) وكنت كلما مررت على مجموعة جالسين ... رددت عليهم السلام .. فمنهم من يجيب التحية بأحسن منها .. ومنهم من يكتفي بكلمة أهلين..
ولكن الحق يقال ( الجميع كانوا يدعونني قائلين .. أتفضل .. ) فأجيبهم بارك الله فيكم .. وبعضهم ( أتفضل يازلمة ... مالك محملها وغرقانه .. نص الألف خمسمية) تعال اتسلّى ..
الا أنني كنت أحيانا لاأجيب من شدة الملل الذي أنا فيه... الى أن وصلت الكوربة ( الناصية) والتي لاتبعد عن بيتي أكثر من خمسين مترا ... فلفت انتباهي ذلك الرجل .. العمر في أواخر الثلاثينات - ستة وثلاثون أو يزيد قليلا ... لم يصل الأربعين بعد.. فأنا أعرفه جيدا ولكن من يراه يعتقد أنه تخطى الستين لكثافة الشعر الأبيض الذي يغطي رأسه ولحيته.. هو غير ملتحي.. ولكن يبدو أنه لم يحلق ذقنه من أسبوعين.. جالس .. مستندا على جدار قديم .. وقد أمسك في يده عود يابس ... وأخذ يخط به على التراب .. يرسم أحيانا مستطيل ويقسمه بخطوط طولية وعرضية فيمسحه ويعاود رسم مربع ويقسمه بنفس الطريقة.. ويعاود مسحه ليرسم شكلا هندسي آخر.. فأثار فضولي ... رغم أنني أدركت ومن خلال تلك الرسوم .. والعصبية التي يمسحها بها
مدي القلق الذي يعيش فيه هذا الرجل ... فبادرته بألقاء التحية .. فانتبه رادا التحية بأحسن منها .. وكأنه لم يدرك اقترابي منه الا بعد أن حييته .. لأنه كان يغط في تفكير عميق...فوجدت نفسي مجبرا أن أعيد عليه مابدرني به أحد الأخوان .. سلامتك يابو فلان ... مالك يازلمة ... شايفك ..مهموم ومغموم ... سلّمها لله يازلمة... نص الألف خمسمية .. فأجاب وبعصبية .. خمسمية ولا ميتين .... أيش الفايدة ؟؟ فأجبته : خير والله أنك شغلت بالي أكثر مما أنا مشغول ... بالله تقوللي أيش الموضوع..؟
فأجابني : ليش هو انت حلاّل المشاكل .؟ طيب أقعد ياخويا ... ويابتقنعني ... يابقنعك...
فأجبت باستغراب : أوف ... اوف ... هذا الموضوع خطير لهالدرجة؟؟؟
أجاب : هو في أخطر من اللي أحنا فيه..؟
قلت : طيب فهّمني ... ايش اللي بتقصده ...
قال : اتخرف يامجنون ... واتصنت ياعاقل .. شوف ياسيدي ...
قلت : للتخفيف عنه ... لا ..لا يابو فلان سلامتك من الجن... ياخوي..
قال : صلي على النبي... فأجبته اللهم صلي على سبدنا محمد..
قال : والله يارجال ... كل الواحد مايتذكر وين كنا وكيف صرنا ... عقله بيشت..
قلت: يعني وين وين كنا ... ماحنا طول عمرنا ... زي ماحنا ... وايش اللي اتغير..؟
قال: تغيرت حاجات كثير في حياتنا ... كنا في الماضي نعتقد اتها ستتغير الى الأحسن ولكنها كل مبها بترجع للوراء..
وتابع : يارجل المدارس بدها تفتح بعد بكرة والواحد مافيش في جيبته شيكل يشتري لأولادة حاجيات المدارس ... والله الواحد كل شئ مطلوب منه بس العين بصيرة واليد قصيرة ..!!
ياراجل وين أيام زمان ... أيام ماكنا نشتغل داخل الخط الأخضر .. والله الواحد كان مبسوط ، والله يوميا الواحد كان يقبض لايقل عن خمسين دولار .. والواحد وهو مروح كنا نميل على سوق فراس في غزة ... نحمل مالذ وطاب ... من فواكه ولحم ... وخلافة ... والله من حمد الله .. ماكنا مخليين على أنفسنا ولا على أهلنا قاصر.. يارجل أنا اشتغلتلي كم سنة بعد ماخلصت الاعدادية بنيت بيتي وتزوجت .. وكل هالشباب من جيلي نفس الشيئ.. ولما جتنا السلطة ... والله ياراجل فرحنا ... وقلنا الحمدلك يارب ... صارت النا سلطة ... وبعد شوية حتسير لنا دولة ... ونرتاح من غلب الشغل في اسرائيل ... وأقل شيئ الواحد يصير قيمة ..
ولكن ياخوي ... بعد الملعون شارون... مادخل المسجد القصى ... واشتعلت الأنتفاضة الثانية ...( يابا.... يابا...) قاطع حديثه صوت ولده الصغير في المرحلة الأبتدائية.. قائلا:
" يابا .. فأجاب بعصبية : أيش مالك ياولد... أيش في...
فأجاب الولد: أمي بتقولك ... اعطيني .. أروح أشتري دفترين وقلم ... علشان المدرسة بعد بكرة.... فرد هذا الوالد المسكين ... موجها كلامه لي ... خذلك ... عجبك؟!!! ثم استطرد قائلا للولد... طيب روح للدكانة ... قول له ... بيسلم عليك أبوي ... واعطيني دفترين ... وقلم ..ز وسجلهن ع الدفتر... ولما تجيبهن ... تعاللي هنا ...
ثم استطرد موجها كلامه لي : ايش كنا بنقول .... أيوه لما اشتعلت الأنتفاضة الثانية ... وبدأ اليهود .. يضايقونا حتى في لقمة عيشنا ... وكثرة الأغلاقات... ضاقت الحياة على الناس ... ولكن بيني وبينك ... والله كنا مبسوطين ... وانبسطنا أكثر ... لما اليهود انسحبوا من غزة.. واتشاهدنا ربنا منهم وقلنا ... الأرزاق على الله... وماتنساش كنا ناخذ بدل بطالة ... وبناخذ مساعدات من الدول المانحة ... ومن الجمعيات الخيرية ... والجهات الغير حكومية .. وماشي حالنا .... الى أن جاء موعد الأنتخابات... وجاءت أمريكا بشروطها للسلطة ... حتى تستمر المساعدات للسلطة ... يجب أن تشترك في الأنتخابات جميع الفصائل الفلسطينية وكان التركيز ... على حماس ... ليس حبا فيها ... وأنما لن حماس في الفترات الماضية عرفناها وعرفها الناس " فصيل مقاوم" المقاومة هي دستورها ... وشعارها معروف ... تحرير الأرض من النهر الى البحر ... والكل بيشهدلها بهذا الشيء عدا عن ذلك ... كانت حماس تعيّش أكثر من ثلاثة أرباع الناس العاطلين عن العمل والمتضررين من الأغلاقات المتكررة ... وكانت ترعى آلاف الأسر من أسر الشهداء والأسرى والمحتاجين ... وخلافة... وفتحت جماعات تحفيظ القرآن ... وهذا ماكان يقلق أمريكا وبريطانيا وعشان هيك ... حبوا أن يزجوا بها في الأنتخابات لكي يشغلوها عن أهدافها الأساسية ...
وزي مانت شايف ...طبعا فازت حماس ... نتيجة لعوامل كثيرة ... منها حب الناس والتفافهم حولها ... ومنها .. رغبة الناس في الخلاص من الفساد اللي كان مستشري في السلطة ... بدءا.. من الرؤوس الكبيرة لغاية ماتوصل أصغر واحد ... والواسطات ... ,و الشاوي ... والمحسوبية ... فازت حماس لأن الناس انتخبوها حسب الديموقراطية الأمريكية .. مش جابو رئيسهم السابق يشهد على الأنتخابات ... وصرح تصريح واضح ... بأن الأنتخابت كانت أنزه أنتخابات في الشرق الأوسط... هذي شهادتهم...
واستطرد قائلا : ولكن ياخوي بعد فوز حماس سارعت أمريكا وبريطانيا يقولوا لن نعترف بحكومة حماس ... لأن حماس حركة أرهابية... الخ ... من الحجج..
المهم... ويسير الحصار ... وأوعزت أمريكا لبض عملائها أن يقوموا بعمل قلاقل وعندما أكتشفت حماس هذه العمليات ... قامت لقيامة ... وصار اللي صار ... والضحية بيني وبينك مين غيرنا...
ذبحنا الحصار ... لاحنا قادرين نشتغل... ولا لاقيين مساعدة من حد ... والفلسطينيين صاروا ضد بعض ... فتح وحماس وياعيني ... الأخ يعادي أخوه ... والأبن يعصى أبوه .. ودبت الفرقة بيننا...
وهنا بادرته بالسؤال مازحا: الا ... بالله عليك أنت .... فتح ولا... حماس ...
عندها ... صرخ بأعلى صوته : أنا فتح...... أنا حماس ... أنا فلسطيني ...
وكرر .... أنا فتح ... أنا حماس ... أنا فلسطيني ...
( يابا.... يابا) صوت الولد من بعيد ... جبت الدفاتر والقلم...
هات الدفتر والقلم ... صاح بابنه... فأعطاه الدفتر والقلم ... فكتب وهو يردد بصوت عال: في أول صفحة من الدفتر
( أنا فتح ..... أنا حماس ..... أنا فلسطيني )
ورددها ابنه ... والأطفال الذي كانوا يلعبون بالقرب منهم ... وجابو بها أرجاء البلد .. وهم يرددون :
أنا فتح .... أنا حماس .... أنا فلسطيني..
عندها... ارتفع صوت ... عبر مكبرات الصوت .. معلنا ... الله أكبر .. الله أكبر
نطق الحق معلنا دخول صلاة المغرب... مختلطا مع هتاف الأطفال..
تحياتي للجميع،

ليست هناك تعليقات: